الحقيقة المثيرة: هل يعمل قانون الجذب سيكولوجياً بنفس طريقة قانون الجاذبية لنيوتن؟!
لطالما سعى الإنسان إلى النجاح في حياته، سواءً كان في العمل أو الحياة الشخصية أو الروحية. ولكن هل سبق لك أن فكرت في سر هذا النجاح؟ هل يمكن أن يكون السبب وراء نجاح بعض الأشخاص هو قانون علمي؟
إن القانون الجذب الذي يتمثل في فكرة أن كل ما يدور في عقلك ويشغل تفكيرك وتركيزك، يجذبه الكون لك. بمعنى آخر، إذا كان لديك أفكار إيجابية وتركيز عالٍ عليها، فستجذب المزيد من الأشياء الإيجابية إليك. وعلى العكس، إذا كان لديك أفكار سلبية وتركيز عالٍ عليها، فستجذب المزيد من الأشياء السلبية إليك.
والسر الكبير في هذا القانون هو أنه لا يعتمد على مجرد الأفكار والتركيز فقط، بل يتطلب أيضًا إيمانًا صادقًا وثقة كاملة بأن الأشياء التي تريد جذبها إلى حياتك ستأتي بالفعل.
ولا يقتصر قانون الجذب الفلسفي على الماديات فحسب، بل يشمل أيضًا الأبعاد النفسية والروحية والعاطفية. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تريد جذب الحب والعلاقات الإيجابية إلى حياتك، فعليك أن تركز على الحب والأمور الإيجابية في العلاقات، وتثق أن هذه الأمور ستأتي إليك. وبالتالي فإن القانون يتحدث عن القوة الحقيقية للتفكير الإيجابي والإيمان الصادق، وكيف يمكنهما تحويل حياتك إلى أفضل.
لكن هل يعمل هذا القانون فعلًا؟ لا يمكن إنكار أنه يعمل بالفعل، في التجارب الحية تثبت ذلك. فلنتخيل شخصًا يريد أن يحقق هدفًا معينًا، ويؤمن تمامًا بإمكانية تحقيقه. فهو يزيد أهمية هذا الهدف في قلبه، ويزيد مدى قناعته الداخلية بأنه يستحق تحقيق هذا الهدف. وكلما قرَّب من نفسه من هذا الهدف وحقَّق جزءًا منه، زاد الجذب بينه وبين هذا الهدف، وأصبح تحقيق الهدف أسهل بكثير. في السر الحقيقي في هذا القانون هو أنه ليس مجرد نظرية، بل هو واقع علمي و فلسفي قائم على القوى الكونية التي لا يمكن تجاهلها.
تفسيرات علمية لقانون الجذب من علوم النفس والاجتماع
إن التفسير الفلسفي للقانون الجذب قد يبدو مألوفًا للكثيرين، ولكن هل تعرف أن هناك بعض الاسقاطات العلمية الشيقة عليه، والتي ترتبط بنظريات العلوم الاجتماعية والنفسية؟
من الناحية النفسية، يمكن القول بأن الأفكار الإيجابية والتصورات الجيدة تؤثر بشكل كبير على العقل البشري، وتجعله يفكر بصورة إيجابية ويبحث عن الحلول الإيجابية للمشاكل التي يواجهها، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق النجاح والتفوق في الحياة، ومن الناحية الاجتماعية، يمكن القول بأن الأفراد الذين يملكون شخصية قوية وثقافة إيجابية تجعلهم يسعون بشكل معين يمكن من خلاله أن يؤثروا بشكل إيجابي على المجتمعات التي يعيشون فيها، ويمكنهم أن يجذبوا النجاح والإنجازات إلى حياتهم وإلى البيئة التي يعيشون فيها.
أما بالنسبة للظواهر الخارقة التي يتحدث عنها أغلب الناجحون بأنها تحدث نتيجة قانون الجذب مثل أن تجد ما تتوقعه وتريده في الحياة ضمن صدفة لا يمكن أن تحدث إلا بنسبة واحد في المليار، فإن تلك الظواهر قد تكون مرتبطة أيضاً بعوامل نفسية واجتماعية معينة فمن الممكن أن تكون الثقة الكبيرة التي تشعر بها تجاه فرصة العمل الكبيرة قد تزيد من فرصة تحقيق هذه الفرصة بسبب الثقة التي تبعثها في نفسك وفي تفكيرك تساهم في إحداث “تأثير الفراشة” لأعمال صغيرة يقوم بها الناجحون تغير من ترتيب الأحداث والأمور من حولهم لأننا نعيش في عالم متصل ومتداخل وهناك عوامل طبيعية وإنسانية تؤثر في حياتنا وتشكلها.
فإن كانت بعض الظواهر الخارقة لدى قانون الجذب لا توجد لها براهين عملية مثبتة شأنها شأن الظواهر الميتافيزيقية الأخرى مثل “الحسد”، التي قد تتطلب بدورها تحليلًا عميقًا لتفسير العوامل المختلفة التي تغير حياتنا وتؤثر عليها.
التفسيرات الدينية لقانون الجذب
يحتوي قانون الجذب على عنصرٍ من الإيمان بأنه يمكن للأفكار أن تصبح واقعًا. ففي الإسلام هناك مفهوم مشابه لقانون الجذب الفلسفي وهو مفهوم التوكل على الله. يشير التوكل إلى الاعتماد على الله والثقة بأنه سيوفر كل ما نحتاجه في حياتنا. وهو مفهوم يحث المسلمين على العمل والتحرك نحو أهدافهم بكل جد واجتهاد، حيث يؤمن المؤمنون بأنه إذا وضعوا النية والجهد اللازم لتحقيق أحلامهم، فإن الله سيجلب لهم كل ما يحتاجونه لتحقيق ذلك. وهذا يعني أنه بالنسبة للمؤمنين، التركيز على الأفكار الإيجابية والتفاؤل هو الطريقة الصحيحة لتحقيق النجاح والتحقيق في الحياة، ويمكن الإشارة إلى بعض الآيات القرآنية التي تؤكد على مفهوم التوكل، مثل قوله تعالى “ومن يتوكل على الله فهو حسبه” (الطلاق: 3).
كما أن هناك إشارات صريحة في الإسلام لذات المعنى، مثل الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي)، وكذلك قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (كل متوقع آت، فتوقع ما تتمنى). وعليه، يمكن القول إنه كما أن قانون الجذب الفلسفي يشير إلى أن الأفكار الإيجابية والتفاؤل يمكن أن تجذب الخير والنجاح إلى حياتنا، فإن مفهوم التوكل في الإسلام يشير إلى أن الثقة بالله والتفاؤل بالنجاح هي الطريقة الصحيحة لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة.
كما أن هناك عدة إسقاطات في الكتاب المقدس الذي يدل على المعنى الفلسفي لقانون الجذب. على سبيل المثال، في العهد الجديد مقولة للرسول بولس تدل على المعنى الفلسفي لقانون الجذب: “فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَتْمَنُوهُ يَا مَجْمَعَ قُورِنْثُوسَ، فَاطْلُبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْمُفْتَرِضَةِ وَالْإِلَهِ الْعَظِيمِ الَّذِي بِيَدِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْبَحْرُ وَجَمِيعُ مَا فِيهِمَا” (1 كورنثوس 10: 26). هنا يشير بولس إلى أن الرب قادر على تحقيق أي شيء يتمناه المؤمنون، وأنه يجب عليهم أن يطلبوا منه هذا الشيء بإيمان وثقة، وبالتالي فإنه يمكن القول إن الكتاب المقدس يحتوي على العديد من النصوص التي تدل على أنه إذا كانت لديك إيمان وثقة بالله، ستتمكن من تحقيق ما تريد، مثلما يحدث في قانون الجذب. فالثقة بالله تمنحنا القوة والقدرة على تحقيق أحلامنا وأهدافنا، بما في ذلك النجاح في الحياة.
محاكاة فيزيائية لقانون الجذب وتمثيله رياضياً
على الرغم من أن قانون الجذب الذي يشار إليه في التنمية البشرية ليس قانوناً في الفيزياء، إلا أنه يمكن محاكاة قانون نيوتن للجاذبية على قانون الجذب الفلسفي. ففي عام 1687، صاغ العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن قانون الجاذبية، وهو قانون في الفيزياء يصف القوة التي تعمل بين جسمين بسبب وجود كتلة لكل منهما. ويتبع هذا القانون قانون نيوتن للجاذبية.
يقول القانون إن قوة الجذب بين جسمين تتناسب مع كتلتهما وتناقص مع مربع المسافة بينهما. ويمكن التعبير عن هذا القانون بالصيغة الرياضية F = G (m1.m2) / r^2 ، حيث F هي القوة الجاذبة بين الجسمين، m1 و m2 هما كتلة الجسمين المجذوبين، r هو المسافة بينهما، و G هو ثابت الجاذبية الذي يساوي 6.67 × 10^-11 نيوتن.متر^2 / كيلوغرام^2.
وحيث يعتبر قانون الجذب من أهم القوانين الفيزيائية الذي يمكن استخدامه في دراسة حركة الأجسام السماوية مثل الكواكب والنجوم، وتوقع حركتها وتفاعلها مع بعضها البعض. إلا أنه يمكن إيجاد بعض الاسقاطات العلمية الشيقة عليه، والتي ترتبط بنظريات العلوم الاجتماعية والنفسية والتي تأتي على رأسها قانون الجذب الفلسفي.
حيث أنه وفقاً للإسقاطات والمتغيرات التي ساهمت في تفسير قانون الجذب من النواحي النفسية والاجتماعية والدينية، فإنه يمكن إعادة صياغة مدلولات المتغيرات المشار إليها بقانون نيوتن وفقاً لما تم فهمه في كيفية عمل قانون الجذب. فتكون الـ F هي قوة الجذب التي يحققها الشخص في جذب ما يريد، وتكون m1 هي درجة يقينه الداخلي وثقته بحدوث ما يريد تحقيقه (كلما زادت زاد الجذب)، في حين تكون m2 هي مدى الشغف الفعال وذو التأثير المؤدي للسعي (كلما زادت زاد الجذب)، فيما تعبر G عن ثابت الجذب لكل شخص على حدى والذي يعبر عن درجة ايمانه وصفاء قلبه واتصاله بالطبيعة وبخالقه والذي يحدد مدى استعداده لإعمال الجذب في حياته (كلما زادت زات الجذب).
فيما تعير r عن المسافة الحقيقية الاجتماعية او الطبيعية بين الشخص وما يطلبه (كلما قلت زاد الاتساق الحقيقي بين الشخص وما يطلبه وزاد الجذب) فإذا ما اعتبرنا r بمثابة المتغير العقلي والمنطقي لبعد المسافة بين الشخص وما يرغب والذي يقل من قدرته على الجذب بطبيعة الحال، مثل أن يقوم شخص عربي بمحاولة جذب منصب غير واقعي مثل ان يصير رئيساً للولايات المتحدة، فهذا الهدف في حد ذاته سيكون بعيداً جداً (وإن كان غير مستحيل) لكن ما يتطلب معه في المعادلة هو القسمة على مربع تلك المسافة المنطقية ويكون إعمال الجذب بفاعلية يتطلب قدراً هائلاً من اليقين والتأثير والأيمان الممثلة بالمتغيرات m1, m2, G.
وبذلك فإنه يمكن تحقيق مفهومنا الفلسفي والاجتماعي والنفسي وحتى الديني والعقلي ضمن معادلة نيوتن بما يحقق بالفعل مفهومنا عن قانون الجذب الفلسفي بأنه ” كلما زاد اليقين بحدوث الشيء لدى الشخص، وكلما زادت مدى تأثيره وشغفه نحو ذلك الشيء، وكلما قلت المسافة الحقيقية بين الشخص وما يطلبه، زاد الجذب له”.
وعلى الرغم من أننا قمنا بمحاكاة قانون نيوتن للجاذبية على قانون الجذب، إلا أن هناك فروق كبيرة بين تطبيق القانون في الفيزياء وتطبيقه في التنمية البشرية، حيث يعتمد قانون الجذب فلسفي على ظواهر ميتافيزيقية مجرده لم تخلو من بعض المحاولات لدعمها بتفسيرات نفسية واجتماعية، كما هو الحال في محاولة محاكاة قانون الجاذبية لنيوتن، ما يوجب توخي الحذر عند القول أو العمل بهذا القانون لكونه من طبيعة فلسفية أكثر من كونه قانون علمي دقيق أو مثبت، لكنه بالتأكيد يمكن أن يوفر أداة مفيدة لتحسين حياة الأفراد وتحقيق أهدافهم.
الخلاصة:
في النهاية، يمكن القول بأن قانون الجذب هو قانون ذو أبعاد متعددة وشاملة. فهو ليس قانون فيزيائي يشرح الجاذبية بشكل علمي، بل هو قانون يمتد للأبعاد الفلسفية، والدينية، والنفسية، والاجتماعية. ومن خلال فهم هذه الأبعاد وتطبيقها في حياتنا اليومية، يمكن أن يكون قانون الجذب مفتاح النجاح والسعادة في الحياة.
وبعد النظر في القانون من الناحية الفيزيائية، نجد أنه يشرح كيف يتفاعل الشخص وما يريد بينهما بالطريقة نفسها التي يعمل بها قانون الجاذبية لنيوتن عبر التعبير عن الناحية النفسية والتفاؤل بالمتغير m1، والتعبير عن الناحية الاجتماعية من حيث التحرك بشغف والتأثير بالمتغير m2، والتعبير عن الناحية الدينية من خلال الثابت الشخصي G الذي يعكس المبادئ الأخلاقية لكل شخص مثل الشفافية والإيمان والتوكل والصبر.
وبعيداً عن صعوبة التجربة الحسابية الحقيقة للتمثيل الرياضي لقانون الجذب الفلسفي، فإن هذا التمثيل يقدم مدلولاً صريحاً عن المعنى المقصود والذي يعد حقيقاً ومجرباً ومتوافقاً مع كافة العلوم والأديان، ويمكن أن يلعب دورًا مهمًا في تغيير نهج حياتنا اليومية، بدءًا من النظر في العالم بنظرة ايجابية وتعلم كيفية جذب الأشياء التي تزيد من سعادتنا ونجاحنا.