كثيراً ما يشعر الأشخاص بالضياع في حياتهم وعدم الاستقرار في اتجاهاتهم وأهدافهم، ويجدون صعوبة في التعرف على أهدافهم ورسالتهم الشخصية. إنَّ الرسالة الشخصية تعد الأساس لتحقيق النجاح والسعادة والاستقرار في الحياة، ولذلك فإن تحديدها يعد خطوة أساسية في البحث عن الهدف الأكبر في الحياة.
تحديد الرسالة الشخصية يتطلب معرفة الذات ومن أجل تعزيز الاستعداد لتحديد الرسالة الشخصية، يمكن توصيات بعض التحليلات الذاتية النفسية مثل اختبارات الشخصية وتحليلات الأحلام والتأمل. من خلال هذه التحليلات، يمكن للشخص أن يتعرف على ذاته وعلى نقاط قوته وضعفه واهتماماته، ويمكن له أيضًا تطوير الوعي الذاتي، فعندما يكون الشخص على دراية بنفسه ويتمكن من تحديد نقاط قوته وضعفه، يمكنه بدء صياغة رسالته الشخصية.
أولاُ: نموذج تحليل الإنياجرام Enneagram Model
السمات النفسية للشخصية وفقًا لنموذج Enneagram، يعتمد على تسعة أنماط شخصية مختلفة من البشر لكل منهم سمات محددة من مميزات وتحديات، ويمكن إجراء هذا التحليل عبر إجراء اختبار المتاح بشكل مجاني على عدة مواقع على الإنترنت، والذي سيوافيك بالنتيجة الخاصة بنموذج الشخصية الخاصة بك. بعد إجراء الاختبار، ستجد نفسك ضمن واحدة من التسع أنماط التالية:
- المثاليين: يعتبرون مستقبلين ويهتمون والعدالة والخير العام.
- المساعدين: يحاولون مساعدة الآخرين والعمل بروح الفريق.
- المحققين: يركزون على الاستقصاء وجمع المعلومات والتحليل.
- المتحدين: يسعون للفوز والنجاح ويحبون المنافسة.
- المراقبين: يركزون على الجودة والتفاصيل ويعملون بدقة.
- المتأملين: يحبون الوحدة والسلام الداخلي ويميلون إلى التفكير.
- المرحين: يحبون المرح والترفيه والتفاعل الاجتماعي.
- المنعزلين: يحبون الانعزال والتفكير ويميلون إلى الإبداع.
- المستمتعين: يتمتعون بالحس الفني ويحبون التجارب الجديدة والحرية.
ويمكن لهذا التحليل أن يساعد الأشخاص على فهم أنماطهم الشخصية وميزاتهم وعيوبهم وأساليب التفاعل الاجتماعي. على سبيل المثال ، إذا كان شخصًا من النوع المساعد ، فقد يتمتع بمهارات جيدة في التواصل والعمل الجماعي ، ولكن قد يكون عرضة للتعب والاستنزاف إذا كان يقوم بالمساعدة بشكل مستمر دون اهتمام بحالته الشخصية، وهكذا.
ثانياً: نموذج تحليل الديسك DISC Model
يعتبر نموذج ديسك من أفضل النماذج والأدوات المستخدمة في معرفة السمات الشخصية لكل فرد، وهو شبيه بالاينياجرام من حيث توافره كاختبار مجاني على بعض المواقع، ويستخدم نموذج ديسك في تحليل السمات الشخصية للأفراد وتصنيفهم لأربع أنماط رئيسية وفقًا لمزيج معين من السمات، وهم السيطرة (D)، التأثير (I)، الاستقرار العاطفي (S)، والالتزام بالقواعد والتنظيم (C)، ويمكن بيانهم كما يلي:
الشخصية الساعية للسيطرة (Dominance): تمتلك هذه الشخصية سمات الجرأة والثقة بالنفس والعزيمة، وهي عادةً تفضل القيادة واتخاذ القرارات وتحب المنافسة، ويميلون إلى الابتعاد عن الاستقرار العاطفي والتركيز على الواقعية والنتائج المحسوسة.
الشخصية الساعية للتأثير (Influence): تتمتع هذه الشخصية بسمات الاجتماعية والتواصل والتفاؤل والإقناع، وتحب العمل ضمن فريق والتعامل مع الآخرين وتجيد التأثير عليهم.
الشخصية الساعية للاستقرار (Steadiness): يتميز حاملو هذه الشخصية بالتعاطف والحس الاجتماعي والصبر والتفاني، وهم يحبون العمل في بيئة مستقرة ومحببة لهم.
الشخصية الساعية للالتزام بالقواعد (Compliance): يمتلك حاملو هذه الشخصية الصفات التحليلية والنظامية والدقة والتركيز، ويحبون العمل في بيئة هادئة والتفكير والتخطيط للمهام المقبلة.
عند إجراء تحليل ديسك، يتم قياس المزيج المناسب لكل شخصية من هذه الأربعة الأنماط، ويمكن للفرد أن يستخدم هذا التحليل لتحديد مجالات العمل المناسبة له وأساليب التواصل الفعالة مع الآخرين، كما يمكن استخدامه للتعرف على نقاط القوة والضعف الشخصية وتحسين أسلوب العمل والتفاعل مع الآخرين.
ثالثاُ: تحليل سوات SWOT Analysis
بعد أن تعرفت على نقاط القوة ونقاط الضعف لديك، هنا يمكن البدء بإجراء تحليل سوات، وهو التحليل الأشهر لنقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات، والذي يتم استخدامه عادة في الأعمال التجارية لتحديد استراتيجيات النجاح والتنمية. ومع ذلك، يمكن أن يكون التحليل SWOT شخصيًا أداة قوية لمساعدة الشخص على تحديد نقاط القوة والضعف الخاصة به، والفرص والتهديدات التي يمكن أن تعوِّقه، ومن ثمَّ استخدام هذه المعرفة لتحديد رسالته الشخصية.
لنفترض أن شخصًا ما يريد تحقيق هدفه في الحياة، ويريد معرفة نقاط قوته وضعفه وفرصه وتهديده، وذلك بإحضار ورقة وقلم والبدء بكتابة بعض الملامح المؤكدة لحياة الشخص عبر الخطوات التالية:
أول خطوة هي تحديد نقاط القوة: حيث يمكن أن تتضمن هذه النقاط مهارات ممتازة في الاتصال، والقدرة على التعلم السريع، والقدرة على الابتكار. هذه النقاط يمكن أن تساعد الشخص على تحقيق هدفه بسهولة وفعالية.
ثم يجب تحديد نقاط الضعف: يمكن أن تتضمن هذه النقاط عدم وجود الخبرة الكافية في مجال معين، أو القدرة المحدودة على الاتصال بالآخرين. يجب على الشخص تحديد هذه النقاط لتجنبها أو تطويرها لتحقيق أهدافه.
بعد ذلك، يجب تحديد الفرص: يمكن أن تشمل الفرص الجديدة المتاحة في المجال الذي يريد الشخص العمل فيه، أو توسيع شبكة العلاقات الاجتماعية للمساعدة في تحقيق الأهداف. يجب على الشخص التركيز على هذه الفرص واستغلالها لتحقيق أهدافه.
أخيرًا، يجب تحديد التهديدات: يمكن أن تشمل التهديدات الزيادة في المنافسة، أو تغييرات في الصناعة، أو الأحداث العالمية التي تؤثر على الاقتصاد بشكل عام. يجب على الشخص التركيز على تلك التهديدات والعمل على تطوير خطط لمواجهتها.
من خلال التحليل SWOT، بعد أن يتمكن الشخص من تحديد نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات المحتملة، يمكن للشخص التوفيق بين كل من تلك النقاط وتحديد الأولويات الواجبة للشخص بعد الدمج بين العناصر الإيجابية والسلبية التي أبرزها التحليل والتي تمكن بدورها من تحديد الأهداف، مثل أن يكون شخصاً لديه نقطة قوة في القدرة على التعلم السريع في حين أن أحد التهديدات هو ظهور تكنولوجيا جديدة ستقلل من احتياج السوق لخبراته، فيكون الهدف الناتج من دمج النقطتين هو تعلم التكنولوجيا الجديدة على وجه السرعة، وهكذا في بقية الأهداف وصولاً إلى قائمة بإجمالي الأهداف التي يمكن إعادة ترتيبها وفقاً لأولويات وقيم كل شخص والاستعداد لصياغة مفهوم شامل لدور الشخص ورسالته في الحياة.
تحديد وصياغة رسالتك الشخصية
بعد التعرف على الذات وتحليل السمات الشخصية باستخدام مختلف الأدوات المتاحة مثل والإينياجرام ونموذج ديسك وأخيراً تحليل SWOT ، يأتي الخطوة الأهم في تحديد الرسالة الشخصية، حيث تعد الرسالة الشخصية هي الهدف الرئيسي الذي يتمحور حوله حياة الشخص وتعبر عن قيمه ومبادئه الحقيقية.
ومن خلال التحليل الشخصي الذي قمنا به باستخدام تحليل SWOT ، يستطيع الشخص تحديد نقاط قوته ونقاط ضعفه والفرص المتاحة لتحقيق أهدافه والتهديدات التي يواجهها، يجب أن ينطلق الفرد في هذه العملية بعد أن وضع قائمة بالأهداف التي يريد تحقيقها في حياته الناتجة من تحليل سوات، ، لكن صياغة الأهداف بدون رسالة واضحة لن يؤتي ثماره حيث أن الرسالة الشخصية ستعزز أصلاً فرص تحقيق تلك الأهداف وتضمن اتساقها. يمكن أن يساعد التفكير بشكل واضح في الأهداف في تحديد الخطوات اللازمة لتحقيقها، ومن ثم صياغة رسالة شخصية تتوافق مع هذه الأهداف.
لكن من الجدير بالذكر أن لكل فرد رسالة شخصية الفريدة من نوعها والتي تتماشى مع طبيعته وميوله وأحلامه، وتحديد هذه الرسالة يتطلب التفكير العميق والصريح ليس في الأهداف فقط التي يريد تحقيقها في حياته، بل يجب على الشخص النظر في مختلف جوانب حياته مثل العمل والأسرة والعلاقات والصحة وغيرها لتحديد الرسالة الشخصية المناسبة التي تعكس هويته الحقيقية وحقيقة دوره في الحياة.
بالتالي، يجب على الشخص مراجعة كل الأهداف ووضعها في إطار متناغم يصب في اتجاه واحد بدون تشتيت لتوحيد الوجهة من أجل تحديد الرسالة الشخصية بشكل سليم، والتي يجب ألا تشتمل على أي نوع من المكتسبات من أموال أو مناصب أو غيرها، بل يجب تكون الرسالة مجردة من تلك المكاسب حيث ترمي إلى مساهمة في تقديم قيمة للعالم “بصرف النظر عن تعريف العالم بالنسبة للشخص”، فالمهم أن تمثل الرسالة دور اجتماعي أو وطني أو قومي أو ديني أو حتى أسري من الواقع الذي تعكسه هوية الشخص الحقيقية والتي تدعم في ذات الوقت الأهداف التي يريد تحقيقها في حياته، مثل أن يقوم شخص بتحديد رسالته كما يلي (رسالتي هي أن أكون أفضل طبيب في تخصصي وأن اسهام في تحسين طرق العلاج للمرضى في بلدي)، أو أخر يقول (سأكون أفضل مدرس رياضيات للتلاميذ وكل من أعلمه سيحب الرياضيات للأبد) إلي غيرها من الرسائل.
ويجب التأكيد على أنه يمكن تحديد هذه الرسالة بشكل متسق ودائم عن طريق التفكير العميق في الأهداف ومقارنتها بالقيم العليا لدى كل شخص وكذلك المبادئ التي يريد تحقيقها في الحياة وللمجتمع من حوله ويتنمى العمل باتجاهها، وهذا ما يعطي للرسالة فاعليتها وصدقها وقدرة صاحبها على الصبر والتفاني والاستمرارية في العمل من أجلها.