تكمن مكانة شهر رمضان المبارك عند الله – عز وجل – ورسوله والمؤمنين فى نزول القرآن الكريم فيه من السماء السابعة، من اللوح المحفوظ فوق عرش الرحمن سبحانه إلى بيت العزة فى السماء الدنيا جملة واحدة فى ليلة القدر، وفى هذا يقول الله – تبارك وتعالى- فى سورة القدر : “(۞إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿۱﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿۲﴾ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ۞)“.
ثم نزل منجماً ومتفرقاً على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على مدار ثلاثة وعشرين سنة من السماء الدنيا إلى الأرض؛ وكان بداية نزوله فى شهر رمضان أيضاً، وفى هذا يقول الله – عز وجل – فى سورة البقرة :”(۞شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ”۞)، فتعظيم وتشريف شهر رمضان نابع من توقيت نزول القرآن الكريم فيه، فاختص الله -عز وجل- هذا الشهر المبارك بكتابة الميزانية العامة السنوية لأعمال بنى آدم فيه، وخاصة فى ليلة القدر حيث تصعد جميع أعمال السنة الماضية فيها، وتوزع الأرزاق في هذه الليلة للسنة التى تليها، فياباغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر…..
إستعداد أهل السماء لشهر رمضان المبارك
ينظر الله – تبارك وتعالى – إلى عباده جميعاً بعين الرحمة فى هذا الشهر الكريم، فتعلن حالة الطوارئ فى السماء، فتغلق خزنة جهنم أبواب جهنم السبعة، وتفتح خزنة الجنة أبواب الجنة الثمانية، ومنها بالطبع باب الريان لا يدخل منه إلا الصائمون يوم القيامة، وتنزل زبابية العذاب من الملائكة فتسلسل الشياطين وخاصة المردة منهم (القادة). وينادي مناد من قبل السماء يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر، وقد يسأل سائل فيقول : فمن يغوى بنى آدم فى هذه الأيام، وقد صفدت الشياطين؟ فنقول وبالله التوفيق: أجاب عن هذا الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – عندما سئل عن هذا فقال: نفس ابن آدم الأمارة بالسوء توسوس له وتغويه.
وقد أخبرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن هذه الاستعدادات السماوية فى الحديث النبوى الشريف حيث قال:” إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين مردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنان، فلم يغلق منها باب، ونادى مناد : يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك فى كل ليلة “.
الإستعداد النبوى لشهر رمضان المبارك
كان النبى صلى الله عليه وسلم يفرح بقرب قدوم شهر رمضان ويدعوا لبلوغه, فعن أنس بن مالك –رضى الله عنه- أن النبى –صلى الله عليه وسلم- كان يدعو ببلوغه رمضان, فإذا دخل شهر رجب قال :” اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان، وبلغنا رمضان”. وكان–صلى الله عليه وسلم- يكثر من صيام شهر شعبان ليعلمنا تربية النفس، وتعويدها على الطاعات، مثل تلاوة القرآن، والذكر، والقيام، والصيام ؛ حتى يتم الإستعداد النفسى لأداء الطاعات فى الشهر الفضيل من غير مشقة أو ملل.
فقد ثبت أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-كان يصوم أكثر شعبان، فقد صح عن أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- أنها قالت : ” ولم أره صائماً من شهر قط، أكثر من صيامه من شعبان، كان يصومً شعبان إلا قليلاً “.
وهناك سبب آخر لصيام النبي –صلى الله عليه وسلم – أكثر شهر شعبان ففيه ترفع أيضاً أعمال بنى أدمة، ففى سنن النسائى من حديث أسامة بن زيد –رضى الله عنه- أنه سأله عن كثرة صيام شعبان فقال –صلى الله عليه وسلم : ” ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، فيه ترفع الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم “.
إستعداد السلف الصالح لشهر رمضان المبارك
كان المسلمون يستقبلون شهر رمضان بفائق العناية، ويولونه أشد الإهتمام ويستعدون لمقدمه فرحا بقدومه، واستبشارا بفضله. وكان المسلمون يستقبلونه بقولهم : “اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه. وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن. وذلك لما يعلمون من فضل رمضان وسعة فضل الله عليهم فيه، وما ينزله تعالى على عباده من الرحمات، ويفيضه عليهم من النفحات ويوسع عليهم من الأرزاق والخيرات ويجنبهم فيه من الزلات.
حيث يفتح لهم أبواب الجنان، ويغلق عنهم أبواب النيران ويصفد فيه مردة الجان. فهو للأمة ربيعها، وللعبادات موسمها، وللخيرات سوقها. فلا شهر أفضل للمؤمن منه ولا عمل يفضل عما فيه. فهو بحق غنيمة للمؤمنين. ففى الحديث النبوى الشريف : ” أظلكم شهركم هذا، ما مر بالمسلمين شهر خير لهم منه، ولا مر بالمنافقين شهر شر لهم منه، أن الله ليكتب أجره ونوافله قبل أن يدخله، ويكتب إصره وشقاءه قبل أن يدخله، وذلك أن المؤمن يعد فيه القوت والنفقة للعبادة، ويعد فيه المنافق اتباع غفلات المؤمنين، واتباع عوراتهم، فغنم يغنمه المؤمن” إنه غنم له في العبادة يتضاعف له فيها أجر الصلاة وأجر الصدقة ويتاح له القيام مع الصيام ، ويتجه فيه إلى تلاوة القرآن.
مجالس الإيمان فيتزود منه إلى عالمه كله. ولهذا كان السلف يسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فإذا بلغوه سألوه أن يوفقهم فيه، ويرزقهم الجد والنشاط فإذا أكملوه سألوا الله بقية السنة أن يتقبله منهم. ونذكر طرفاً من بعض أعمال السلف الصالح رضوان الله عليهم :
- روى عن الإمام البخارى -رحمه الله- أنه كان يختم القرآن الكريم فى رمضان كل ليلة.
- وكان سفيان الثورى_ رضى الله عنه- يترك الأعمال كلها فى رمضان, ويقبل على تلاوة القرآن الكريم.
- بل صح عن الإمام الشافعى – رحمه الله- أنه كان يختم القرآن فى اليوم مرتين فى رمضان وهذا من اجتهاده، وحسن فطنته، وذكاءه رحمه الله، وهذا قطرة من غيث أعمالهم رحمهم الله جميعاً.
ماذا نفعل فى شهر رمضان المبارك
أولًا: (طيب النفس)
يجب أن يتحلى الصائم بطيب النفس، وسلامة الصدر فلا يسب، ولا يلعن، ولا يجادل، ولا يرفث، بل لو سابه أحد، أو قاتله فليقل : إنى صائم؛ فاللغو والسباب واللعن والكذب وقول الزور من الأعمال التى تنقص من أجر الصائم؛ ولذا فرضت زكاة الفطر لتزيل كل هذا فيرفع العمل كاملاً، فقد صح عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ” قال الله تعالى : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لى، وأنا أجزى به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إنى امرؤ صائم”. .
ثانياً: (كثرة الصدقات)
رمضان شهر القرآن الكريم، وينزل الله – عز وجل – من القرآن ما هو شفاء ورحمة، شفاء لما فى الصدور من شكوك وأوهام، ورحمة خاصة بالضعفاء والفقراء والمساكين من بنى الإنسان، ورحمة عامة لجميع مخلوقات الرحمن، فعليك أخى الكريم بالصدقة، فهي تطفئ غضب الله، وتوسع فى الرزق، وهى ظل المؤمن يوم القيامة، وقد عرف النبي –صلى الله عليه وسلم- بكثرة الصدقات، والجود والإحسان، وخاصة فى رمضان، ففى حديث ابن عباس –رضى الله عنه- قال : ” كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، فيراجعه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة”.
ثالثاً: (قيام الليل)
فقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يكثر من قيام الليل، حتى تتورم قدماه، فتشفق عليه أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها- قائلة: هون عليك يا رسول الله، ألم يغفر لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟فيقول: –صلى الله عليه وسلم-أفلا أكون عبداً شكوراً ؟، وكان أكثر قيامه فى شهر رمضان وأطوله، وقد خرج على أصحابه يوماً لصلاة الفجر، فرأوا فى وجهه المبارك بعض الإرهاق فسألوه فى هذا فقال: لقد قمت بالسبع الطوال-صلوات ربى وسلامه عليه-، وقد أحيا معه حذيفة بن اليمان –رضى الله عنه-ليلة فى رمضان، فقال : ” ثم قرأ سورة البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها…فما صلى ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة “.
رابعاً: (كثرة تلاوة القرآن الكريم)
كان –صلى الله عليه وسلم- يختم فى أيامه العادية القرآن كل سبع (أسبوع)، فكيف فى شهر رمضان؟ حين يراجعه جبريل – عليه السلام-القرآن، فأحرص أخى على تلاوة القرآن فى هذا الشهر المبارك، فمن المعروف أن بكل حرف فى القرآن تقرأه حسنة والحسنة بعشر أمثالها وهذا فى أيامنا العادية، أما فى رمضان فأى عمل صالح يضاعف أجره سبعين مرة فكيف بالقرآن دستور هذه الأمة، وكلمة رب العالمين الأخيرة إلى الإنسانية.
خامساً : (الإعتكاف)
إنها سنة منسية، لا يفعلها إلا القليل، ممن من الله عليه بهذه النعمة، اقتداء بسيد البرية-صلوات ربى وسلامه عليه- وقد كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فى مسجده من كل سنة، حتى سنة وفاته-صلى الله عليه وسلم اعتكف فيها عشرين يوماً، وقد قالت عنه السيدة عائشة أم المؤمنين – رضى الله عنها- : ” كان إذا دخل رمضان اجتهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فى العبادة، فإذا كان العشر الأواخر شد المئزر، وأيقظ أهله للصلاة “.