مقدمة: استغلال نعمة الوقت
كثير من الناس يضيع وقته وعمره هباءاً، ولا يلقى بهذا بالاً، ولو تدبر أعظم نعمة من بها الله – عز وجل – على عباده لوحدها- لا محالة- نعمة الوقت ؛ ولكن أكثر الناس مخدوع، ومغرور، فبعضهم غره ماله، وبعضهم غرته صحته وشبابه، فقاده غروره إلى التسويف فى حق الله –عز وجل- فتراه يقول: سأصلي غداً، و سأصوم رمضان المقبل، فما زال في العمر بقية، بل يتألى على الله – تبارك وتعالى – بأنه سيغفر له، مع تقصيره، وتسويقه، فهذا من عجزه وجهله، فلو علم أن سلعة الله – عز وجل – غالية، ألا وهي الجنة، لخاف ولو خاف لأدلج (أسرع فى الخيرات)، ولو أسرع لبلغ الجنة، فليفق هذا المغرور من غفلته، فإنما العمر دقائق وساعات، فلنغتنمها فى طاعة الرحمان.
وفى هذا يقول النبي العدنان – صلوات ربى وسلامه عليه -:”الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني “.
وليعلم جيدًا من يضيع وقته سدى، أن الله – تبارك و تعالى – سائله عنه يوم القيامة، ففي الحديث النبوى الشريف : ” لا تزل قدم عبد يوم القيامة، حتى يسئل عن أربع : عن علمه فيما عمل به، وعن ماله فيما أنفقه، ومن أين اكتسبه، وعن صحته فيما أبلاها، وعن عمره فيما أفناه “.
وليعلم كل واحد منا أن لله فى دهره نفحات، فأوقات الصلوات الخمس كل يوم من نفحات الرحمان، و صلاة يوم الجمعة وفضل صلاتها فى المسجد لا يعدلها فضل، فبكل خطوة إلى المسجد يوم الجمعة أجر صيام وقيام سنة فتأمل نفحات – الله عز وجل- فى دهره، وشهر رمضان وصيامه وما أعده الله عز وجل لعباده الصائمين من أجر، وخاصة فى ليلة القدر تحار العقول، وتذهب الألباب فى مدى عظيم الأجر والثواب الذى فاض به رب العباد على العباد.
فاغتنم أخى القارىء الكريم هذه الفرصة في شهر رمضان، بالمواظبة على الصيام والقيام وقراءة القرآن، وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم :” اغتنم خمس قبل خمس : حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك”، ولا تهدر وقتك فى رمضان فى سماع لهو الحديث، ومشاهدة لغو المسلسلات والأفلام.
يقول الله -عز وجل – فى محكم التنزيل : “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُم ْعَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ“، والحديث النبوى الشريف الذى يحذر فيه النبي – صلى الله عليه وسلم- من سماع، أو قول الكذب والزور، بنقصان وزوال الرزق، فيقول : ” من لم يدع ىقول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة فى أن يضع طعامه، وشرابه “، ولا تنس حديث المصطفى –صلى الله عليه وسلم – الذى يرشدنا فيه إلى أهمية الوقت فيقول : “نعمتان مغبون (مخدوع فيهما كثير من الناس الصحة، والفراغ “.
.فضائل تلاوة القرآن وخاصة فى شهر رمضان:
وردت نصوص كثيرة فى الكتاب والسنة تبين فضل تلاوة القرآن الكريم، وخاصة فى شهر رمضان المبارك، نذكر منها :
القرآن يأتى شفيعاً لأصحابه يوم القيامة، مع الصيام جنباً إلى جنب، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” يأتى القرآن والصيام يشفعان لصاحبهما يوم القيامة، يقول الصيام : منعته الطعام بالنهار، ويقول القرآن منعته النوم بالليل “.
القرآن أنيس صاحبه يوم القيامة، يوم القيامة يوم عصيب، فيه يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، فيبقى ابن آدم وحيداً شريداً فيأتيه القرآن فى صورة حسنة فيواسيه، يؤانسه، ففى الحديث النبوى الشريف : ” يؤتى بالقرآن يوم القيامة فى صورة شاب حسن الهيئة، فيقول له صاحبه : من أنت ؟ وجهك يبشر بخير، فيقول : أنا القرآن الذى كنت تقرأه فيشفع فيه “.
القرآن يظلل صاحبه يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظل عرش الرحمن- سبحانه وتعالى -، ففى الحديث النبوى الشريف : “اقرؤوا الزهروان، سورة البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان كطير صواف، أو كغمامتان تظلان صاحبهما”.
عند قراءة حرف واحد من أحرف القرآن يعطيك الله – عز وجل – حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء، هذا فى أيامنا العادية، أما فى أيام نفحات الله ورحماته، وخاصة فى شهر رمضان، فأى عمل صالح تعمله فيه تؤجر سبعين ضعف، وهذا يعنى أن قراءة حرف من القرآن فى رمضان بسمعائة حسنة، والله يضاعف لمن يشاء، ففى الحديث النبوى الشريف : ” اقرءوا القرآن، فإن بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألف لام ميم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف “.
تقسيمات القرآن الكريم:
يقسم القرآن الكريم إلى ثلاثين جزءاً، ويراد بالجزء من القرآن ما تيسر منه، ويقدر تقريباً بعشرين صفحة، ويحتوى الجزء من القرآن الكريم على حزبين، والحزب يتضمن أربعة أرباع، والسبب فى تجزئة القرآن الكريم يرجع إلى تبسيط مراجعته وحفظه وقراءته، الأصل فى تجزئة القرآن الكريم ما ورد فى السنة المطهرة من أحاديث فى هذا منها :” من نام عن حزبه من القرآن بالليل فليقرأه إذا استيقظ فإن ذلك يجزئه “، ومنها حديث روى عن الصحابى الجليل عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفى – رضى الله عنه – حيث قال :” مَكَثَ عَنَّا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً لَمْ يَأْتِنَا حَتَّى طَالَ ذَلِكَ عَلَيْنَا بَعْدَ الْعِشَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: مَا أَمْكَثَكَ عَنَّا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَرَدْتُ أَنْ لَا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَهُ ” قَالَ: فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحْنَا، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: نُحَزِّبُهُ ثَلَاثَ سُوَرٍ، وَخَمْسَ سُوَرٍ، وَسَبْعَ سُوَرٍ، وَتِسْعَ سُوَرٍ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سُورَةً، وَحِزْبَ الْمُفَصَّلِ مِنْ قَاف حَتَّى يُخْتَمَ ” .
تقسيم القرآن الكريم فى العهد النبوى والصحابة :
وضح حديث ابن أوس الثقفى – رضى الله عنه- السابق كيفية ختم القرآن فى العهد النبوى، وكان إسبوعياً، وكيفة تجزئته إلى سبعة أحزاب، هى كما يلى :
- فى اليوم الأول: سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء.
- فى اليوم الثانى: يحتوى على السور : المائدة ، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة .
- فى اليوم الثالث: يحتوى على السور : يونس، وهود، ويوسف، والرعد، إبراهيم، والحجر، والنحل .
- فى اليوم الرابع: يحتوى على السور : الإسراء، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، والحج، والمؤمنون، والنور، والفرقان .
- فى اليوم الخامس :يحتوى على السور:الشعراء، والنمل، والقصص، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة، وسبأ، والأحزاب، وفاطر، ويس .
- فى اليوم السادس: يحتوي على السور : الصافات، وص، والزمر، والحواميم السابعة، ومحمد، والفتح، والحجرات .
- فى اليوم السابع: يحتوي على السور : من سورة قاف إلى سورة الناس، وهذا هو المفصل من السور.
وهذا هو أفضل طريقة لقراءة القرآن الكريم وختمه، على منهاج النبوى، وأنعم به؛ ولكن هناك من هم فى مراحل الشباب والجد فلما لا نكثف الوقت، ونسارع فى الطاعات والقربات، وهناك من فى مراحل الكبر والشيخوخة، فلما لا نطيل فى الوقت فلا تحرجه أو نأثم.
وإليك أخى الكريم هذا الحديث النبوى الشريف فى تكثيف الوقت لذوي الهمم العلية، و لتباطئه على ذوى الحاجات، وكبار السن ، وغيرهم من ذوى الأعذار :” شكا عمرو بن العاص – رضى الله عنه- إبنه عبد الله – رضى الله عنه – لرسول الله –صلى الله عليه وسلم – فقال : إن عبد الله زهد الدنيا، وتبتل، وتركت زوجته الزينة، وقالت: ليس له حاجة فى الدنيا، فليلها قائم، ونهاره صائم، فدعاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : أنت الذى أخبرت أنه يصوم النهار، ويقوم الليل كله؟، قال : بلى يا رسول الله، قال: فى كم تقرأ القرآن كله؟ فقال: كل ليلة. قال: فاقرأه كل شهر مرة، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: فاقرأه فى عشرين يوماً، فقال: أطيق أكثر من ذلك، فاقرأه فى عشر، قال : أطيق أكثر من ذلك، قال: فاقرأه في سبع، قال : أطيق أكثر من ذلك، قال فاقرأه فى ثلاث، فقال : أطيق أكثر من ذلك فقال أقل من ذلك لن تفقه”. ولعل هذا الحديث هو السبب فى تجزئته إلى ثلاثين جزءاً، فهو الأيسر على الناس، ولا أيسر من هذا كختمة فى أربعين، أو خمسين يوماً …..ألخ، حتى لا يعد صاحب هذه الختمات هاجر له، فالحد الأدنى لقراءته و ختمه فى ثلاث أيام لذوى الهمم العالية، والحد الأقصى ثلاثين يوماً لذوى الأعمال والمهام، وبينهما درجات وضحها الحديث النبوى الشريف السابق الذكر .
بعض أصحاب الهمم العالية من أهل الله وخاصته من السلف الصالح رضوان الله عليهم :
- الخليفة الراشد عثمان بن عفان –رضى الله عنه- كان يقوم بالقرآن كاملاً فى ركعة واحدة من العشاء الى صلاة الفجر.
- الإمام الشافعى – رحمه الله – كان يختم القرآن فى اليوم مرتين فى شهر رمضان المبارك لينال الأجر.
- الإمام البخارى – رحمه الله – كان يختم القرآن كل يوم مرة فى شهر رمضان المبارك.
.