جزاء الشاكرين و عاقبة الجاحدين

الثناء على أهل الشكر:

لقد أثني الله على أنبيائه الشاكرين لآلائه ووصف نبيًا من أنبياءه بأنه كان أمة شاكرًا لأنعمه فقال جل شأنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)} ^([1])، فالله جل وعلا يشكر من شكره، ويرفع من ذكره.

ومن الشكر الذي يشكره الله فعل الطاعات، والمسارعة في فعل الخيرات، وتعظيم شعائر الله، وفي محكم التنزيل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}^([2]).

([1])سورة النحل:120-121

([2])سورة البقرة:158

وأثنى الله تعالى على نبيه نوح _عليه السلام لحميد فعالة وكثير ثناؤه علي الله تعالي فقال : ــ ”  ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ” (1),و قد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم ـــ  أنه قال:”  كان نوح لا يحمل شيئًا صغيرًا أوكبيرًا إلا قال بسم الله والحمد لله فسماه الله عبدًا شكورًا ” (2), وفي رواية:” كان نوح إذا طعم طعامًا أو لبس ثوبًا حمد لله فسماه الله عبدًا شكورًا”(3).

قصة من قصص الشاكرين لرب العالمين:

وروت أم المؤمنين عائشة ـــ  رضي الله عنها  ـــ قالت : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلي قام حتى تفطر رجلاه,فقلت له: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا”.(4).

الشكر أمان من العذاب :

إن منفعة الشكر لا تعود على الخالق سبحانه وتعالى فهو الغنى ولكنها تعود علي الشاكر من عباده , فهو يطهر النفس ويقربها من بارئها ويوجه إرادتها إلى الوجهة الصالحة من وجوه البر وقد جاء في محكم التنزيل : ”  وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ “(5),فالله جل وعلا لا يضل من أمن به وذكره وطلب هدايته,ولا يعذب من شكره قال تعالى : “مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ” (6),ولكن الناس مع عظم نعم الله عليهم قليل شكرهم قال تعالى : “وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ “(7),وقال تعالي:”اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ” (8)

سؤال الشكر من الله نعمة:

إذا كان الشكر صفة الأبرار وسمة الأحرار يوفي الله الشاكر جزاءه ويرفع جنابه ويضاعف ثوابه, ويحفظ عليه نعمته ويدم الله عليه نعمته ويصرف عنه نقمته وعذابه,فإنه حرى بالإنسان المؤمن أن يسأل الله أن يجعله من الشاكرين لنعمائه,وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ـــ :  اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ” .(9).

• سورة الإسراء:3
• رواه ابن مردويه
• الطبراني في الكبير برقم 2582
• صحيح البخاري رقم 1078
• سورة لقمان
• سورة النساء:147
• سورة النمل:73
• سورة سبأ:13
• سنن أبى داود 1522

والشكر يكون بالقلب واللسان والأركان، فهو أخص من الحمد من جهة، وأعم من جهة أخرى ؛لأنه يكون بالقول والفعل والنية، فبينهما عموم وخصوص.وقد كان من أدعية النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” تم نورك فهديت فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربنا وجهك أكرم الوجوه، وجاهك أعظم الجاه، وعطيتك أفضل العطية وأهنؤها، تطاع ربنا فتشكر، وتعصى ربنا فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفي السقيم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة، ولا يجزى بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحك قول قائل” (1) ,وفى الذكر الحكيم:”وسنجزي الشاكرين”(2).

ومن أدعية بعض الصالحين :”كم من نعمة انعمتها علي قل لك عندها شكري، وكم من بلية إبتُليت بها قل لك عندها صبرى، فيا من قل شكري عند نعمه فلم يحرمني، ويامن قل صبري عند بلائى فلم يخذلني، ويامن رآني على المعاصي والذنوب العظام فلم يهتك سترى، ويا ذا المعروف الذي لا ينقضي، ويا ذا النعم التى لا تحول ولا تزول اغفر لنا وارحمنا” (3).

جحود النعمة والإعراض عن الشكر سبب في الهلاك:

إن جحود النعم وكفرانها سبب زوالها وانتقالها، فمن كفر بالنعمة فقد عرض نفسه للهلكة والنقمة، وعرض النعمة للزوال، فمن أضاع الشكر فقد خاطر بالنعمة، و تسبب في ضيق الرزق لنفسه، وقد قال الإمام علي – رضي الله عنه- : ” الشكر آمنة من الزوال، وجنة من الإنتقال”، وفى أخبار الأمم الماضية عظة وإعتبار : ” وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون” (4)، وفى سورة سبأ النبأ اليقين، والعظة للمتقين، والتحذير من سلوك سبيل الجاحدين، قال تعالى: ” لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتين عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور. فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل. ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور” (5)

فالشكر من دعائم سعادة الأمم، والتنكر عنه لا يجلب غير الخراب والدمار والندم، فمن شكر وتفكر أفلح، ومن تكبر وأعرض هلك ولم ينجح.

الحمد لله حمداً لا شريك له … فمن لم يقلها ففى نفسه ظلم . (6)

• مسند أبى يعلى حديث رقم 445     
• سورة آل عمران:145
• شعب الإيمان للبيهقي برقم 4412 لعلي بن الحسين رضى الله عنهم
• سورة النحل:112
• سورة سبأ:15-17
• هذا البيت للنابغة الجعدي